فصل: مسير المسلمين إلى الجهات للفتح.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير المسلمين إلى الجهات للفتح.

لما جاء الأحنف بن قيس بالهرمزان إلى عمر قال له: يا أمير المؤمنين لا يزال أهل فارس يقاتلون ما دام ملكهم فيهم فلو أذنت بالإنسياح في بلادهم فأزلنا ملكهم انقطع رجاؤهم فأمر أبا موسى أن يسير من البصرة غير بعيد ويقيم حتى يأتي أمره ثم بعث إليه مع سهيل بن عدي بألوية الأمراء الذين يسيرون في بلاد العجم: لواء خراسان للأحنف بن قيس ولواء أردشير خرة وسابور لمجاشع بن مسعود السلمي ولواء اصطخر لعثمان بن أبي العاص الثقفي ولواء فسا ودار ابجرد لسارية بن زنيم الكناني ولواء كرمان لسهيل بن عدي ولواء سجستان لعاصم بن عمرو ولواء مكران للحكم بن عمير التغلبي ولم يتهيأ مسيرهم إلى سنة ثمان عشرة ويقال سنة إحدى وعشرين أو إثنين وعشرين ثم ساروا في بلاد العجم وفتحوا كما يذكر بعد.

.مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس.

وأصاب الناس سنة ثمان عشرة قحط شديد وجدب أعقب جوعا بعد العهد بمثله مع طاعون أتى على جميع الناس وحلف عمر لا يذوق السمن واللبن حتى يحيا الناس وكتب إلى الأمراء بالأمصار يستمدهم لأهل المدينة فجاء أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة من الطعام وأصلح عمرو بن العاص بحر القلزم وأرسل فيه الطعام من مصر فرخص السعر واستقى عمر بالناس فخطب الناس وصلى ثم قام وأخذ بيد العباس وتوسل به ثم بكى وجثا على ركبتيه يدعو إلى أن مطر الناس وهلك بالطاعون أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبي سفيان والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وابنه عتبة في آخرين أمثالهم وتفانى الناس بالشام وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرتفع بالمسلمين من الأرض التي هو بها فدعا أبا موسى يرتاد له منزلا ومات قبل رحيله وسار عمر بالناس إلى الشام وانتهى إلى سرغ ولقيه أمراء الأجناد وأخبروه بشدة الوباء واختلف الناس عليه في قدومه فقبل إشارة العود ورجع وأخبر عبد الرحمن بن عوف بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الوباء فقال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخربوا فرار منه» أخرجاه في الصحيحين.
ولما هلك يزيد ولى عمر على دمشق أخاه معاوية بن أبي سفيان وعلى الأرض شرحبيل بن حسنة ولما فحش أثر الطاعون بالشام أجمع عمر على المسير إليه ليقسم مواريث المسلمين ويتطوف على الثغور ففعل ذلك ورجع واستقضى في سنة ثمان عشرة على الكوفة شريح بن الحرث الكندي وعلى البصرة كعب بن سوار الأزدي وحج في هذه السنة ويقال إن فتح جلولاء والمدائن والجزيرة كان في هذه السنة وقد تقدم ذكر ذلك وكذلك فتح قيسارية على يد معاوية وقيل سنة عشرين.

.فتح مصر.

ولما فتح عمر بيت المقدس استأذنه عمرو بن العاص في فتح مصر فأغزاه ثم اتبعه الزبير بن العوام فساروا سنة عشرين أو إحدى أو إثنين أو خمس فاقتحموا باب إليون ثم ساروا في قرى الريف إلى مصر ولقيهم الجاثليق أبو مريم والأسقف قد بعثه المقرقس وجاء أبو مريم إلى عمرو فعرض الجزية والمنع وأخبره بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم وأجلهم ثلاثا ورجعوا إلى المقوس وأرطبون أمير الروم فأبى من ذلك أرطبون وعزم على الحرب وبيت المسلمين فهزموه وجنده ونازلوا عين شمس وهي المطرية وبعثوا لحصار الفرما أبرهه بن الصباح ولحصار الإسكندرية عوف ابن مالك وراسلهم أهل البلاد وانتظروا عين شمس فحاصرهم عمرو والزبير مدة حتى صالحوهما على الجزية وأجروا ما أخذوا قبل ذلك عنوة فجرى الصلح وشرطوا رد السبايا فأمضاه لهم عمر بن الخطاب على أن يجيز السبايا في الإسلام وكتب العهد بينهم ونصه:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم وعددهم لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيارة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أميرالمؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة وشهد الزبير وعبد الله ومحمد إبناه وكتب وردان وحضر هذا نص الكتاب منقولا من الطبري.
قال فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح ونزل المسلمون الفسطاط وجاء أبو مريم الجاثليق يطلب السبايا التي بعد المعركة في أيام الأجل فأبى عمرو من ردها وقال: أغاروا وقاتلوا وقسمتهم في الناس وبلغ الخبر إلى عمر فقال: من يقاتل في أيام الأجل فله الأمن وبعث بهم إلى الرباق فردهم عليهم ثم سار عمرو إلى الإسكندرية فاجتمع له من بينها وبين الفسطاط من الروم والقبط فهزمهم وأثخن فيهم ونازل الإسكندرية وبها المقوس وسأله الهدنة إلى مدة فلم يجبه وحاصرهم ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوة وغنم ما فيها وجعلهم ذمة وقيل إن المقوقس صالح عمرا على إثني عشر ألف دينار على أن يخرج من يخرج ويقيم من يقيم باختيارهم وجعل عمرو فيها جندا.
ولما فتح مصر والإسكندرية أغزى عمرو العساكر إلى النوبة فلم يظفروا فلما كان أيام عثمان وعبد الله بن أبي سرح على مصر صالحهم على عدة رؤوس في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون طعاما وكسوة فاستمر ذلك فيها.